Veuillez utiliser cette adresse pour citer ce document :
https://ds.univ-oran2.dz:8443/jspui/handle/123456789/4594
Titre: | الغيرية في الخطاب الفلسفي أبي حيان التوحيدي"نموذجا" |
Auteur(s): | بن كراراز, فاطمة |
Date de publication: | 2011 |
Editeur: | جامعة وهران 2 محمد بن أحمد |
Résumé: | ن هم فهم الوجود والفعل فيه هو بيت القصيد في الفلسفة اليونانية، ومن ثم طابعها الإنساني، فليس المهم بالنسبة لنا هو نتائج الفلاسفة اليونان، ولكن المهم هو كيف أنتجوا أفكارهم، كيف اكتسحوا ساحة السؤال، إن هذا الكيف هو الذي يعطي المبرر للرجوع لهذه الفلسفة. الوجود والإنسان إذن، هما الموجه الأساسي للإغريق في التعلم من الآخر، وهي نفسها غايتنا عندما نسائل هؤلاء، دون أن ننزلق إلى التساؤل الوهمي القائل: أليس في الرجوع إلى اليونان ضياع للأصل؟ لقد تناولت الفلسفة اليونانية مشكلة الغيرية من وجهة أنطولوجيا وذلك من خلال مفهومي الهوية أو الذاتية أو المطابقة-العينية من جهة والاختلاف أو المباينة أو التمايز والاختلاف من جهة ثانية، فقد كان هيراقليط يرى بأن الأشياء في تغير متصل، فهي موجودة وغير موجودة من أن الفناء يدب في الأنا والآخر في كل لحظة، فالتغيير والتمايز والاختلاف سنة الوجود، إذ أن ذاتية الشيء وما به هوهو يتغير باستمرار ومن ثم فلا وجود لهوية أو ماهية أو خصائص ثابتة، ومن هنا كان اهتمام بالإنسان وعلاقاته بالأشياء وكيفية خلق الاتصال بين الأنا و-الإنسان- والآخر- الطبيعة-. - 150 - ونجد نفس التصور حول مفهوم الغيرية عند أرسطو الذي يرى بأن كل موجود- بما ذلك الإنسان- يكون بالنسبة إلى ذاته هوهو أي مطابق لها ويكون بالنسبة إلى الغير مخالفا له. غير أن مفهوم "الآخر" لم يتخذ صورة الأنا/ الآخر، لأن التقابل الذي أسسته الفلسفة اليونانية كان بين الإنسان من جهة والعالم من جهة أخرى، الشيء الذي جعل "الآخر" يكون أي شيء وليس بالضبط ذاتا إنسانية. أما في الخطاب الفلسفي الغربي فقد تمحور مفهوم الغيرية ابتداءا من ديكارت من خلال الكوجيتو "أنا أفكر أنا موجود"، إذ أن "الأنا" الديكارتي يعيش عزلة أنطولوجية عن "الآخر" حينما يضع نفسه كـ "أنا" مفكر لاشك في وجوده، مقابل "الآخر" القابل للشك بل والمشكوك في وجوده، ومن هنا يكون "الأنا أفكر" هو الحقيقة الوجودية اليقينية الوحيدة التي لا يسع العقل إلا أن يؤمن بها بكل بداهة ووضوح في حين أن وجود "الآخر" حسب هذه الذاتية الديكارتية يظل متوقفا على حكم العقل واستدلالاته. وقد وجهت عدة انتقادات إلى الموقف الوجودي الذاتي هذا، فالأنا أفكر لابد له من يفكر في شيء، موضوع أو كائن ما وهذا الشيء أو الموضوع أو الكائن الأسبق في الوجود بالضرورة المنطقية ممن يفكر فيه وبالتالي فإن وجود المفكر - 151 - فيه ينتقي عن المفكر فيه ينتقي عن المفكر أسبقيته في الوجود، فقد يملك "الأنا" إدراك نفسه كموجود إلا من حيث يدرك نفسه بأنه ليس الآخرين، أي أنه – الأنا- غيرهم، كما أن من ماهية "الغير" أن يوجد، ولا يستطيع "الأنا" إدراكه بوصفه "غير" دون أن يفكر "الأنا فيه بوصفه موجودا والشك لا ينبثق إلا بقدر ما تضعف هذه الغيرية في ذهن "الأنا". أما "هيغل" فهو يرى أن الوعي كيان يتكون وينمو ويتطور ويتجلى في المعيش اليومي باستمرار انطلاقا من الوجود الطبيعي للإنسان إلى أن يصل أعلى درجات التطور المطلق، فعندما يكون الإنسان مرتبطا بإشباع رغباته مباشرة من الطبيعة يكون في الوقت ذاته مجرد جزء لا يتجزء منها، بحيث أن وعيه لذاته حينما يكون منغمسا في الحياة العضوية الحيوانية، ذا وجود لذاته بسيط. وحتى يتأتى له تجاوز هذا الوضع، يجب أن يسعى إلى انتزاع الاعتراف إلا أن هذا الاعتراف رغبة "الأنا" و"الآخر" ومن هنا فإن تحقيقه يتطلب الدخول في مناقشة وصراع جدلي يغامر فيه، الطرفان معا، إذ أن كلا منهما سيقدم نفسه للآخر كما لو كان غير متشبث بالحياة رغبة منه في جر الآخر واستدراجه إلى التخلي عن المواجهة واللجوء إلى الاعتراف، غير أن هذا الصراع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية من جهة كما لا يمكن أن ينتهي بصوت أحد الطرفين من - 152 - جهة أخرى، ذلك أن كلاهما متشبث بالحياة، فهناك حب البقاء ورغبة كل طرف في ضرورة إثبات وجوده وتحقيق وعيه لذاته، كما أن موت أحد الطرفين سيحول دون تحقيق الهدف من وراء صراع نزع الاعتراف ولابد أن ينتهي هذا الصراع بتفضيل أحد الطرفين للحياة على الموت. وحينما يستسلم أحد منهما ويعترف، تنشأ العلاقة الإنسانية الأولى: علاقة السيد بالعبد، الأول مستقل بذاته موجود من أجلهما والثاني تابع للأول وموجود من أجله. ومن هنا أمكننا القول بأنه لا وجود "للأنا" و"الغير" في استقلال عن بعضهما إذ أن "الأنا" و "الغير" ينبثقان من علاقتهما ببعضهما وليس قبلها، فلا يمكن "للأنا" أن يوجد إلا بالعلاقة مع "الغير" وإن كانت هذه العلاقة علاقة صراع وحرب، فوجود الغير وجود ضروري لوجود "الأنا"، ولا يمكن اعتباره وجودا ثانويا وقابلا للشك. فإذا أراد "الأنا" أن يتوصل إلى الحقيقة كيفما كانت حول ذاته لابد له أن يمر عبر "الغير"، إن "الغير" لا غنى عنه لوجوده كما لا غنى له عنه في معرفة نفسه. - 153 - وإذا كانت معرفة "الأنا" للذات تمر عبر "الغير"، فهل هذا يستلزم أن معرفة "الغير" ممكنة؟ إن المعرفة هي العلاقة رابطة بين الذات تتوخى المعرفة وموضوع تريد معرفته، علاقة تتمثل في فاعلية عقل الذات العارفة تجاه موضوع المعرفة حيث يشكل الموضوع- ماديا كان أو معنويا- مجال النشاط الفكري الإدراكي للذات إذ تتصف الذات بالوعي، الحرية والإرادة والقصدية والفاعلية، من حيث أن الموضوع فاقد لهذه المميزات وإذا كان المراد معرفة الغير، فهل هو قابل للمعرفة بهذا المعنى أم لا؟ إن معرفة "الآخر" ليست أمرا مستحيلا وهي ليست موضوعية بل ذاتية، فالآخر هو الأنا الذي ليس "أنا" وليس التي تشير إلى العدم، عدم يفصل بين "الأنا" و"الآخر"، عدم يتمثل في هوة ذات طابع مكادي وواقعي من جهة وذات طابع معنوي ثقافي يقاس باختلاف الرؤى والأفكار والتصورات، إضافة هذا "الأنا" يبدو "الآخر" كجسم مادي محسوس، أي كشيء يدرك شأنه شأن سائر الأجسام والأشياء. كما أن "الأنا" لا يتأثر لظهور أو اختفاء "الآخر"، فعلاقة "الأنا" "بالآخر" علاقة حيادية، غيرية، أي علاقة تنشييئية معها يتحجر "الأنا" تحت نظرة الغير، - 154 - ويتحجر "الغير" تحت نظرة "الأنا" ويصبح إذن كل من "الأنا" و"الغير" بالنسبة إلى الطرف الثاني موضوعا تحت الرقابة، والمحاسبة وربما العقاب. إن معرفة "الآخر" إذن، تنبني على كيفية تصور "الأنا" لهذا "الآخر" كموضوع معطى للإدراك الحسي، فالآخر كصورة في ذهن "الأنا" ليس نسخة طبق الأصل للوجود بالفعل، أي ليس ما هو في الواقع بل هو صورة من رسم الأنا، صورة ملؤها الانطباعات الحسية، أي "الأنا" هو الذي يكون "الآخر" ضمن حقل تجريبي، ولن يكون "الآخر" حينئذ سوى صورة ذهنية من وحي "الأنا". إن علاقة طالأنا" "بالآخر" ليست علاقة بين أشياء وموضوعات، بل هي علاقة بين ذوات وأحياء، ومن ثم فإن نظرة "الأنا" "بالآخر" لا يمكن أن تشل فاعليته وتحد من حريته وتميت تلقائية وتقضي على إرادته إلا إذا تقوقع "الأنا" حول نفسه، وغض الطرف عن كل ما هو إنساني فيه. فمن خلال التواصل كظاهرة إنسانية يتمكن "الأنا" من إدراك "الآخر" إدراكا يمر عبر التفهم والتقبل الوجداني العاطفي، وليس عبر التحليل والتركيب العقلي الجاف، فالتواصل المبني على أساس التعاطف هو وحده الكفيل بحلق التعارف وبناء جسر الصداقة بين "الأنا" و"الآخر" فقد نبه "أبو حيان التوحيدي" في مشروعه الإنساني إلى ضرورة إقامة التواصل عن طريق الحوار بين الإنسان، - 155 - وقد يكون هذا الحوار دينيا أو حوارا ثقافيا أو حوارا سياسيا لأن الحوار هو الذي يبني الثقة والتفاعل بين الأجناس، فبالنسبة للتوحيدي التواصل هو مجال لممارسة القوة الاستدلالية، للإنسان، وبقدر ما يمارس "الأنا" الحوار مع "الآخر" بقدر ما يمارس التواصل لمعرفة الذات نفسها. إن "أبي حيان التوحيدي" يروي لنا مجالس المناظرة التي كان يجتمع فيها مشايخ الملل، وكان الحوار والتواصل قائما بينهم على أساس وقواعد مضبوطة، علما له أصوله ومفاهيمه وأخلاقياته ومن لم يلتزم بهذه الأخلاقيات خرج عن آداب المناظرة وكان كلامه غير مسموع. فبالنسبة للتوحيدي، الاستماع إلى الآخر واجب، واحترام لشخصيته، بل هو احترام إنسانية الإنسان، فيؤكد "التوحيدي" على عدم مقاطعة "الآخر" خلال فعل الحوار لأنه انتهاك لرحمته، وانتقاص لكرامته وإنسانيته. والتوحيدي دائم التساؤل والاندهاش خاصة فيما يتعلق بإشكالية التناقض البشري، ولغز النفس والإنسان وإمكانيته أو ضعفه أو اضطرابه، وأخلاقياته بكل ما تحمل من ثراء وضعف وقوة وأسئلة عن علاقة النفس بالبدن أو السلوك الاجتماعي وعلاقة الأنا مع الغير، كعلاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الوالد بولده، - 156 - وعلاقة الصديق بصديقه، وعلاقة الملل والنحل، وأسباب الاختلاف وما هي صور هذا الاختلاف وهل بإمكاننا أن نتواصل؟ وينظر التوحيدي للإنسان في حياته وسلوكاته المختلفة ويسأل عن الجزئيات لينتقل إلى المعنى العام أو الكلي، وهو أحيانا يستغرق في تفصيلات الحياة النفسية والأخلاقية والاجتماعية عند الإنسان. لذا فقد وجدنا الدهشة عند "التوحيدي" قد تأتي من قضايا معروفة مسبقا كما أن "التوحيدي" يلاحظ (1 (كمشكلة النثر وسؤاله عن السبب في إيلام الأطفال أحيانا التناقض في الإنسان وفي سلوك بين الشخصيات المختلفة. فكتاب "الهوامل والشوامل" تعبيرا عن النزعة الإنسانية في القرن الرابع الهجري، فأهميته لا ترجع فقط إلى الموضوعات ولكن أيضا للروح المثارة في الموضوعات، إذ يرى "محمد أركون" أن ما يطرحه التوحيدي هو نوع من التمرد أو التقدم الحازم ضد الإنسانية ، ويرى "محمد أركون" أن التوحيدي يمثل ذلك الإنسان الساخط باعتباره (2 (الجوفاء . (3 (أهم نموذج للمثقف الجاد في القرن الرابع الهجري 1 .116 ص، التوحيدي حيان أبي، والشوامل الهوامل - 2 Arkoun. M L’humanisme arabe au IVX siècle d’après le kitab : al hawamil wa chawamilStudia, Islamique VOIXIV 1961-P78. 3 -Arkoun.M : Op..cit P78 - 157 - لقد استغرق موضوع الإنسان مساحة واسعة في تفكير "التوحيدي" بل نجد أن ثمة مسألتين شغلتا عقل "التوحيدي": أولا مسألة االله تعالى، ثم ثانيا: مشكلة الإنسان والعلاقة بينهما وهي التي تمثلها تجربته الصوفية. إن الإنسان هو المعلوم لنفسه بالملاحظة والدراسة وكشف التناقض أو رصده، وهو المجهول مع ذلك بكل خبايا النفس البشرية، أحلامها وطموحها. إنه ذلك المجهول بالرغم من كل هذا التفاعل مع الطبيعة والوجود، وبالرغم من كل المحاولات لمعرفة نفسه ومعرفة "الآخر" ذاتا وموضوع، فلا عجب أن نجد قول "التوحيدي": واسع من هذا الفضاء حديث الإنسان، فإن الإنسان أشكل عليه الإنسان". إن "الأنا" بوصفه إشكالية يجد عند التوحيدي" اهتماما كبيرا وفي الإنسان من العجب الكثير الذي يتطلب البحث والتقصي ولذلك يقول: "ولا عجب، فهذا الإنسان من هذا النفس والعقل والطبيعة، أمور تستنفذ العجب وتحير القلب، بل أودع هذا الوعاء، وعوضه لهذه الغايات، وزين ظاهره وحسن باطنه وصرفه بين أمن وخوف وعدل وصيف وحجبه في أكثر ذلك عن كم وكيف. وقد اهتدى "التوحيدي" إلى مسلك، أنساق له ليعرف الإنسان نفسه ويكتشف الأسرار التي تحتوي عليها النفس البشرية يحتاج إلى أخلاق يتواصل مع "الآخر"، - 158 - فيعرف ذاته من خلال معرفة "الآخر" وفهمه يقول التوحيدي": "إلا إذا طال فحصه وزال نقصه، واشتد في طلب العلم تشميره، واتصل في اقتباس الحكمة رواجه وبكوره وكانت الكلمة الحسناء أشرف عنده من الجارية العذراء، والمعنى المفهوم أحب إليه من المال المكوم، وعلى قدر عنايته يحض بشرف الدارسين، ويتجلى بزينه المجلين". إن إشكالية الغيرية عند "التوحيدي" تتخذ بعدا نفسيا وثقافيا وتأمل فلسفي وتعامل صوفي. |
URI/URL: | https://ds.univ-oran2.dz:8443/jspui/handle/123456789/4594 |
Collection(s) : | ماجيستر علم الاجتماع |
Fichier(s) constituant ce document :
Fichier | Description | Taille | Format | |
---|---|---|---|---|
بن كراراز فاطمة.pdf | 3,88 MB | Adobe PDF | Voir/Ouvrir |
Tous les documents dans DSpace sont protégés par copyright, avec tous droits réservés.