ميزات العلامة في القانون الجزائري والقانون الفرنسي

Abstract

تحتل الدراسات المتعلقة بالعلامات مكانة مرموقة في قانون الأعمال، باعتبار العلامة عنصرا معنويا هاما من عناصر المحل التجاري الذي يشكل القاعدة الأساسية لمختلف الأعمال التجارية. وبذلك يجب أن تحظى العلامة بمزيد من الاهتمام في الدراسة والتحليل اللازمين لإجلاء الغموض حول المسائل المتعلقة بحمايتها القانونية، وشروط تسجيلها، ونظامها القانوني، خاصة وأن الأبحاث والدراسات الجزائرية والعربية المتعلقة بالملكية الفكرية عموما وبالعلامة خصوصا، تعد قليلة نسبيا. تتعلق هذه الدراسة على وجه الخصوص بالميزات القانونية للعلامة، أي خصائصها الأساسية والشروط الموضوعية لقبول تسجيلها. وتتلخص هذه الميزات أولا في اشتراط الطابع المميز في العلامة، ثانيا وجوب استعمال رمز جديد كعلامة، ثالثا وأخيرا وجوب استعمال رموز مشروعة. وتدخل هذه الدراسة في إطار قانون الأعمال المقارن، وقد تمت بالمقارنة بين القانون الجزائري من جهة، والقانون الفرنسي والنصوص الأوربية من جهة أخرى. إن أول نص قانوني جزائري نظم العلامة هو الأمر رقم 06 المؤرخ في 19 يوليو 2003 . وقد تمت - 57-66 الملغى . أما النص الراهن فهو الأمر رقم 03 الاستعانة بالآراء الفقهية والقرارات القضائية من كلا الجانبين. وتجدر الإشارة إلى أن القرارات الجزائرية المنشورة الخاصة بهذا الموضوع جد قليلة بالمقارنة مع القرارات الفرنسية، واغلبها يتعلق بالشق الجزائي أي جنحة التقليد. ولتحليل هذا الموضوع تطرح التساؤلات التالية: ماذا يقصد بالعلامة؟ وما هي ميزاتها الأساسية وشروط تسجيلها لتصبح صالحة لتمييز السلع والخدمات؟ للإجابة على هذه التساؤلات تم تقسيم المذكرة إلى بابين: الباب الأول يتعلق باشتراط الطابع المميز في العلامة، والذي قسم بدوره إلى فصلين: الفصل الأول يتعلق بماهية الطابع المميز في القانونين الجزائري والفرنسي، والفصل الثاني يخص مسألتي انتفاء الطابع المميز للعلامة وتقديره. أما بالنسبة للباب الثاني فيتعلق باشتراط الجدة والمشروعية في العلامة، والذي قسم بدوره إلى فصلين: الفصل الأول يخص اشتراط الجدة في العلامة وفق القانونين الجزائري والفرنسي، والفصل الثاني يخص اشتراط المشروعية في العلامة. وقد تم اعتماد هذا التقسيم في الخطة نظرا لتمحور الدراسة حول ثلاثة عناصر السالف ذكرها. 2 أولا: اشتراط الطابع المميز في العلامة تعرف العلامة بأنها ذلك الرمز الذي يتخذه التاجر أو الصانع لتمييز سلعه أو خدماته عن غيرها من السلع والخدمات المماثلة. ولا تكون العلامة صالحة للاستعمال إلا إذا كانت مميزة في حد ذاتها، ومميِزة للمنتوج عن غيره. فالطابع المميز الذي تتمتع به العلامة يشكل الدعامة الرئيسية التي تقوم عليها، وبه تتمكن من أداء وظيفتها. يتكون الطابع المميز للعلامة من عدة عناصر، فقد تكون التسمية لوحدها كافية لخلقه إذا تمتعت بقدر كاف من الأصالة والخصوصية. سواء تكونت من كلمة مألوفة أو خيالية، اسم عائلي أو مستعار أو اسم جغرافي، أو تكونت من تركيب حروف، اختصارات أو أرقام ... وغيرها. وقد يلجأ الصانع أو التاجر كذلك إلى استعمال عناصر أخرى مميزة كالرسومات، الصور، الألوان، والأشكال ثلاثية الأبعاد سواء تعلقت بالمنتوج نفسه أو بغلافه، وهذا ما يسمى بالعلامات التمثيلية. وزيادة على ذلك يلجأ بعض التجار إلى استعمال علامات تجمع بين كل هذه العناصر في نفس الوقت للوصول إلى أكبر قدر من التميز. وهذا ما يسمى بالعلامات المركبة. يتم تقدير الطابع المميز للعلامة قبل تسجيلها من قبل المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، الذي يختص بإيداع وفحص وتسجيل العلامات. وفي حالة نشوب نزاع قضائي بشأن علامة معينة، فإن الجهة القضائية المختصة بالفصل في النزاع، هي التي تقوم بتقديره. يتم التقدير بالرجوع إلى التاريخ الذي تمت فيه إجراءات الإيداع وليس في وقت قيام النزاع، ويكون ذلك على مرحلتين: الأولى تخص التقدير بحسب السلع أو الخدمات المعنية، أما المرحلة الثانية: فهي التقدير بالرجوع إلى الجمهور، فيكون استنادا إلى الجمهور الكبير فيما يخص العلامات المتعلقة بالسلع أو الخدمات واسعة الانتشار. ويكون بالاعتماد على الجمهور المحدود عندما تكون السلعة أو الخدمة المعنية بالعلامة محدودة الانتشار. ينتفي الطابع المميز للعلامة إذا كانت الرموز ضرورية، نوعية، وصفية، وكذلك في العلامات المنتكسة. تعتبر نوعية أو ضرورية تلك العلامة المكونة فقط من التسمية المألوفة والعادية للسلعة أو الخدمة، وهذا النوع من الرموز لا يمكنه تكوين علامة صحيحة، لأنه يشكل احتكارا لكلمات شائعة ومتداولة. ولا يمكن كذلك تسجيل علامة مكونة حصرا من رموز وصفية لخاصية من خصائص المنتوج لاسيما الصنف، الكمية، القيمة، المصدر الجغرافي، لأنها فاقدة للطابع المميز. غير أنه يمكن تسجيل العلامات الإيحائية بشرط أن تقتصر فقط على الإيحاء والتلميح إلى السلعة لدى المستهلك. أما بالنسبة لمسألة انتكاس العلامة، فيقصد بها تحول العلامة الصحيحة إلى تسمية ضرورية للمنتوج نظرا للشهرة الكبيرة التي كانت تتمتع بها، أو بسبب تهاون مالكها في الدفاع عنها، وفي هذه الحالة يكون معرضا لسقوط حقه فيها إذا أدى ذلك إلى ابتذالها وتحولها إلى التسمية العادية للمنتوج. ولم ينص المشرع الجزائري على هذه المسألة، على عكس المشرع الفرنسي. ثانيا: اشتراط الجدة والمشروعية في العلامة يشترط في الرمز أن يكون جديدا، ومعنى الجدة ألا يشكل استعماله مساسا بحقوق مملوكة للغير. وبذلك يجب القيام بالبحث عن السابقات قبل الإيداع. تتم عملية البحث عن السابقات من طرف مصالح المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية. وتكمن الصعوبة في هذه المسألة في أن البحث في السجل الوطني للعلامات غير كاف لوحده، لأن الرمز الذي يشكل سابقة قد يكون حقا من الحقوق الأخرى غير المدونة في سجل وطني. ويجب الإشارة إلى أن المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، لا يقوم بوظيفته على الوجه المطلوب، خصوصا في مسألة البحث عن السابقات، وتنصله من المسؤولية في حال قيام النزاع. وبذلك يجب على المودع التحقق من جدة الرمز بنفسه عن طريق البحث في قائمة الأسماء 3 التجارية في السجل التجاري، أو عن طريق مكتب متخصص بإعطاء الإرشادات والنصائح في مجال الملكية الفكرية. تعد العلامات السابقة المسجلة من بين أكثر الحقوق التي قد تتعارض مع الرمز المراد تسجيله، فلا يمكن قبول تسجيل علامة تمس بعلامة أخرى مسجلة سواء بالتقليد التام أو بالتشبيه. أما بالنسبة للعلامة الشهيرة غير المسجلة والمعروفة من قبل الجمهور الكبير وخارج حلقة المستهلكين المهنيين فإنها تتمتع بحماية استثنائية رغم عدم تسجيلها نظرا لشهرتها الكبيرة. ولا يقتصر الأمر على العلامات السابقة فحسب، وإنما يمكن لكل حقوق الملكية الفكرية أن تك  ون سابقات تتعارض مع الرمز المودع كعلامة. وبذلك تعتبر حقوق المؤلف مثلا من السابقات التي لا يجوز المساس بها عن طريق إيداع علامة مماثلة لها. ويدخل في هذا الإطار المصنفات الأدبية والفنية. وتشكل الرسوم والنماذج الصناعية كذلك حقوقا سابقة تتنافى مع تسجيل العلامة إذا كانت مطابقة أو مشابهة لها. كما تعد تسمية المنشأ كذلك من السابقات التي كثيرا ما تتعارض مع إيداع العلامة. فهي تمثل العلاقة القائمة بين نوعية وجودة المنتجات، وبين مكان إنتاجها. وتعتبر كذلك كل الحقوق التجارية المملوكة للغير من السابقات، والتي يجب أن تبقى ملكا لأول تاجر استعملها، ومن هذا القبيل العناصر المعنوية للمحل التجاري كالاسم التجاري وعنوان المحل أو الشعار، وتسمية أو عنوان الشركة، إذا أحدث اللبس لدى الجمهور. كما يشترط لتوفر عنصر الجدة عدم مساس الرمز بأي حق من الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان، كالاسم العائلي والاسم المستعار، أو استعمال الصورة الشخصية للغير كعلامة اسمية أو تمثيلية دون طلب الترخيص من الشخص المعني. يعتبر شرط الجدة نسبيا وليس مطلقا، فيجوز تسجيل علامة حتى ولو تطابقت تماما مع علامة أخرى، إذا اختلف اختصاص كل واحدة منها، هذا ما يعرف بمبدأ التخصيص. ويعني ذلك أن مالك العلامة يتمتع بحق استئثاري فقط بالنسبة لنوع المنتجات التي سجلت بشأنها العلامة. غير أن مبدأ التخصيص لا يطبق في حالة العلامة الشهيرة التي تتمتع بالحماية خارج نطاق تخصص منتوجها، وكل مساس بها يعد تطفلا ومنافسة غير مشروعة. إضافة إلى مبدأ التخصيص، يعد مبدأ إقليمية العلامة استثناءا آخر على شرط الجدة المطلقة للعلامة. ما يعني أن الرمز لا يفقد عنصر الجدة لسبق استعماله في بلد أخر. غير أن الدول الأعضاء في اتفاقية باريس تضمن لرعاياها حماية دولية لعلاماتهم المودعة وطنيا. كما تتمتع العلامة الشهيرة التي تتخطى الحدود بحماية خاصة. إضافة إلى ذلك تكون العلامة المسجلة دوليا وفق اتفاقية مدريد 1891 ، محمية في كل الدول الاعضاء. اشتراط المشروعية في العلامة ينص المشرع الجزائري على استبعاد الرموز المحظورة بموجب القانون الوطني، ومن بينها كل رمز يحمل من بين عناصره نقلا أو تقليدا لشعارات رسمية أو أعلام أو أسماء أو دمغات رسمية للضمان إلا بترخيص من السلطات المختصة... مثال ذلك شعار الجمهورية الجزائرية أو شعار الشرطة أو الجيش وغيرها من مؤسسات الدولة. كما ينص على استبعاد الرموز المحظورة بموجب الاتفاقيات الدولية التي تكون الجزائر طرفا فيها. كشعار الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، كالصليب و الهلال الأحمرين ومختلف الرموز ذات البعد الرسمي والدولي. كما ينص المشرع على استبعاد تسجيل أي رمز مخالف للنظام العام أو الأخلاق الحسنة لأنه يصبح غير مشروع. ويقصد بالعلامة المخالفة للنظام العام كل رمز من شأنه أن يتعارض مع القواعد القانونية 4 الملزمة التي تضمن سلامة المجتمع واستقراره. ونتيجة لذلك يمنع تسجيل الرموز التي تحرض على استهلاك المخدرات، ويدخل في هذا الإطار الرموز التي تحرض على العنف بمختلف أشكاله أو التمييز العنصري وما يثير الكراهية والنزاعات والتطرف الديني... وكل ما من شأنه المساس بالأمن والسكينة العامة. أما بالنسبة للعلامة المخالفة للأخلاق الحسنة، فيقصد بها كل رمز أو صورة تخدش الحياء العام، أو أية كلمة تحتوي معنى بذيئا. وتختلف التشريعات في هذه المسألة من حيث الصرامة أو التخفيف حسب كل مجتمع ووفق العادات والتقاليد والدين. إضافة إلى ذلك يستبعد من التسجيل كل رمز مضلل الذي من طبيعته إيقاع الجمهور في الغلط واللبس حول طبيعة المنتوج أو جودته أو مصدره، أو خاصية من خصائصه الأساسية. فهو يوحي إلى الجمهور بفكرة خاطئة ومخالفة لواقع السلعة أو الخدمة المقدمة. ويخضع تقدير مدى مشروعية الرمز إلى سلطة المعهد الوطني للملكية الصناعية، قبل التسجيل وإلى سلطة قاضي الموضوع عند نشوب النزاع. وإذا تبين عدم مشروعية الرمز يتم إبطال التسجيل. وهذا بغض النظر عن المسؤولية الجزائية التي قد يتحملها المودع وفق أحكام قانون العقوبات. وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن مخالفة أي شرط من شروط صحة العلامة السالف ذكرها، تؤدي إلى بطلان تسجيل العلامة بأثر رجعي وفق ما تنص عليه المادة 20 من قانون العلامات. وختاما يستخلص أن تسجيل أي رمز كعلامة يستوجب كما سبق القول توفر الشروط الثلاثة الأساسية، وهي الطابع المميز، الجدة والمشروعية. وبذلك تكون هذه العناصر الثلاثة هي الميزات القانونية للعلامة التي عالجتها هذه المذكرة. وفي إطار دراسة هذا الموضوع تبين وجود عدة نقاط لا تزال مبهمة وتحتاج لمزيد من الدراسة والتحليل، على غرار سبل حماية العلامة من التقليد، ودور المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية في توفيرها، وتقييم دوره في مسألة البحث عن السابقات،... وغيرها من النقاط التي قد تكون محل بحوث مستقبلا.